فصل: فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ:

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ.
وَلَوْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ) فَيَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، وَإِذَا قَالَ: غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَنَجَّزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا اللَّفْظُ الثَّانِي فِي الْفَصْلَيْنِ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ).
ذَكَرَ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فُصُولًا مُتَعَدِّدَةً بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ الْإِيقَاعِ: أَيْ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ إلَى مُضَافٍ وَمَوْصُوفٍ وَمُشَبَّهٍ وَغَيْرِهِ مُعَلَّقٍ بِمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ تَحْتَ ذَلِكَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى بَابًا كَمَا أَنَّ الْبَابَ يَكُونُ تَحْتَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى كِتَابًا، وَالْكُلَّ تَحْتَ الصِّنْفِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ الْمُدَوَّنِ فَإِنَّهُ صِنْفٌ عَالٍ، وَالْعِلْمُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ نَوْعٌ، وَالْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ تَكُونُ ظَنِّيَّةً كَالْفِقْهِ، وَقَطْعِيَّةً كَالْكَلَامِ وَالْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ، فَوَاضِعُ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالٍ شَتَّى أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ فَوَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا، وَقِيلَ لِلْوَاضِعِ صَنَّفَ الْعِلْمَ، أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا فَالْوَاضِعُ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ.
وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِمْ وَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَتَبَايَنُ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ صِنْفٍ أَعْلَى لِتَبَايُنِ الْعَوَارِضِ الْمُقَيَّدِ بِكُلٍّ مِنْهَا النَّوْعُ وَأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ كِتَابِ الْحَوَالَةِ اللَّائِقِ بِهِ خِلَافُ تَسْمِيَتِهِ بِكِتَابٍ.
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِطُلُوعِ فَجْرِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ) لِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ مُسَمَّى الْغَدِ، وَلَوْ نَوَى آخِرَ النَّهَارِ جَازَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَقولهُ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ) تَنْزِيلٌ لِلْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ، وَإِلَّا فَلَفْظُ غَدًا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ.
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يَقَعُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ نَجَّزَهُ فَلَا يَرْجِعُ مُتَأَخِّرًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَأَوْرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ لَمْ يُعْتَبَرْ لِإِضَافَةٍ أُخْرَى لَا لِإِضَافَةِ عَيْنِ مَا نُجِّزَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ اعْتِبَارَ كَلَامِهِ إيقَاعًا لِلْحَاجَةِ وَهِيَ مُرْتَفِعَةٌ بِالْوَاحِدَةِ وَلَا ضَرُورَةَ أُخْرَى تَجِبُ لِمُرَاعَاتِهَا وُقُوعُ أُخْرَى، فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ الْيَوْمَ كَانَتْ غَدًا كَذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِالْعَطْفِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْغَدِ وَآخِرِ النَّهَارِ بِطَلَاقِهَا فِي الْيَوْمِ وَأَوَّلِ النَّهَارِ، وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِ مُغَيِّرِ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ فَلَمْ لَمْ يَتَوَقَّفْ بِاتِّصَالِ الْإِضَافَةِ كَمَا تَوَقَّفَ بِاتِّصَالِ الشَّرْطِ وَكِلَاهُمَا مُغَيِّرٌ لِلتَّنْجِيزِ؟ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُضَافٌ لَا أَنَّهُ طَلَاقٌ آخَرُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَسْقُطُ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ يُبَيِّنُ أَنَّ قولهُ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشَّرْطِ فَيَبْقَى قولهُ الْيَوْمَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْوُقُوعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا يَسْقُطُ الْجَوَابُ بِأَنَّ طَالِقٌ الْيَوْمَ إيقَاعٌ فِي الْحَالِ، وَإِذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا لِلتَّنَافِي وَاعْتِبَارُ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ إلْغَاءُ كَلِمَةِ وَاحِدَةٍ وَهِيَ لَفْظَةُ: الْيَوْمَ. وَفِي اعْتِبَارِ الْمُنَجَّزِ إلْغَاءُ كَلِمَاتٍ وَهِيَ قولهُ إذَا جَاءَ غَدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْفَرْقُ فِي الْجَوَابَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ تُوقَفْ فَلَمْ يَكُنْ تَنْجِيزًا مَعَ اتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ الشَّرْطِيِّ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ فَكَانَ تَنْجِيزًا مَعَ اتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ الْإِضَافِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ الثَّانِي نَاسِخًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّسْخَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْأَوَّلِ وَتَقَرُّرِهِ، وَتَقَرُّرُ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ وُقُوعِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قولهُ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مُسْتَقِيمًا مُضَافًا وَبَعْدَمَا صَحَّ مُضَافًا إلَى غَدٍ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ مُنَجَّزًا بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ تَطْلِيقَةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَزِمَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْغَدِ فَلَزِمَ إلْغَاءُ اللَّفْظِ الثَّانِي ضَرُورَةً، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ مُسْتَبِدٍّ فِي نَفْسِهِ مُتَرَاخٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا.
فَإِنْ قُلْت: فَمَا وُجُوهُ الْمَسْأَلَةِ إذَا وُسِّطَتْ الْوَاوُ؟ فَالْجَوَابُ إذَا قُدِّمَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الْوَقْتَيْنِ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ أَوْ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ فِي لَيْلِك وَنَهَارِك وَهُوَ فِي اللَّيْلِ أَوْ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي النَّهَارِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْأُخْرَى لِأَنَّهَا بِطَلَاقِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَكُونُ طَلَاقًا فِي آخِرِهِمَا، وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَاحِدَةٌ وَغَدًا وَاحِدَةٌ صَحَّ وَوَقَعَتْ ثِنْتَانِ، وَكَذَا طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِلَا نِيَّةٍ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَعْنَ كَذَلِكَ.
وَإِنْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَ كَطَالِقٍ غَدًا وَالْيَوْمَ أَوْ فِي نَهَارِك وَلَيْلِك وَهُوَ فِي اللَّيْلِ أَوْ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي النَّهَارِ فَعَنْ زُفَرَ كَذَلِكَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَنَا يَقَعُ ثِنْتَانِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ مُضَافًا صَحِيحًا وَالْوَاوَ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ يُوجِبُ تَقْدِيرَ مَا فِي الْأُولَى بِمَا بَعْدَهَا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ؛ فَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ مُوقَعٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ قُلْنَا اللَّازِمُ وَهُوَ كَوْنُهَا طَالِقًا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَحْصُلُ بِإِيقَاعِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَطْ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى اعْتِبَارِهِ مُوقَعًا كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَقْلَ هَذَا الْخِلَافِ مَعَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي طَالِقٍ غَدًا وَالْيَوْمَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ إمَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ فَتَقَعَ وَاحِدَةٌ أَوْ قَلْبَهُ غَدًا وَمَا بَعْدَهُ وَالْيَوْمَ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً، فَلَوْ نَوَى أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ.
وَحَاصِلُ مَا يَقَعُ بِهِ جَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ إمَّا بِاعْتِبَارِ إضْمَارِ التَّطْلِيقِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أَوْ بِإِضْمَارِ فِي كَأَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَوْ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً وَهُوَ مَا قَاسَ عَلَيْهِ زُفَرُ.
وَفَرَّقُوا بِأَنَّ: فِي. لِلظَّرْفِ وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعِ فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وُقُوعُ تَعَدُّدِ الْوَاقِعِ، بِخِلَافِ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ الِاتِّصَافُ بِالْوَاقِعِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَالَ نَوَيْت آخِرَ النَّهَارِ دِينَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ: فِي. جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قولهِ غَدًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلِهَذَا يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ فِي وَإِثْبَاتَهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفِيَّةُ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَتَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورَةَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، فَإِذَا عَيَّنَ آخِرَ النَّهَارِ كَانَ التَّعْيِينُ الْقَصْدِيُّ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الضَّرُورِيِّ، بِخِلَافِ قولهِ غَدًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ حَيْثُ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ.
نَظِيرُهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ فِي عُمْرِي، وَعَلَى هَذَيْنِ الدَّهْرَ وَفِي الدَّهْرِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَالَ: نَوَيْت آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
لَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ كَقولهِ طَالِقٌ غَدًا وَفِيهِ لَا يُصَدَّقُ فِي نِيَّتِهِ آخِرَهُ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ اتِّفَاقًا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَهَذَا وَهُوَ كَوْنُ وَصْفِهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ غَدًا لِأَنَّ حَذْفَ لَفْظَةِ فِي مَعَ إرَادَتِهَا وَإِثْبَاتِهَا سَوَاءٌ فَإِذَا كَانَ فِي حَذْفِهِ يُفِيدُ عُمُومَ الزَّمَانِ فَفِي إثْبَاتِهِ كَذَلِكَ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذِكْرَ لَفْظَةِ فِي يُفِيدُ وَصْلَ مُتَعَلِّقِهَا بِجُزْءٍ مِنْ مَدْخُولِهَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِجُزْءٍ آخَرَ أَوْ كُلِّهِ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ خُصُوصُ أَحَدِهِمَا مِنْ خَارِجٍ كَمَا فِي صُمْت فِي يَوْمٍ يُعْرَفُ الشُّمُولُ وَأَكَلْت فِي يَوْمٍ يُعْرَفُ عَدَمُهُ لَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا مِنْ الزَّمَانِ خَاصًّا فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرُوا وَصْلَ الْفِعْلِ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمُفَادَ حِينَئِذٍ عُمُومُهُ لِلْقَطْعِ مِنْ اللُّغَةِ بِفَهْمِ الِاسْتِيعَابِ فِي سِرْت فَرْسَخًا وَبِعَدَمِهِ فِي سِرْت فِي فَرْسَخٍ وَصُمْت عُمُرِي وَفِي عُمُرِي فَنِيَّةُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَمِثْلُ قولهِ فِي غَدٍ قولهُ فِي شَعْبَانَ مَثَلًا؛ فَإِذَا قَالَ: طَالِقٌ فِي شَعْبَانَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإِنْ نَوَى آخِرَ شَعْبَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَلْغُوَ، كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلهُ مِنْ أَمْسِ وَقَعَ السَّاعَةَ) لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً، وَالْإِنْشَاءُ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعَ السَّاعَةَ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قِبَلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ، أَوْ يُصَحَّحُ إخْبَارًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ) أَوْ فِي الشَّهْرِ الَّذِي خَرَجَ (وَقَدْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ حَاصِلُهُ إنْكَارًا لِلطَّلَاقِ فَيَلْغُوَ فَكَانَ كَقولهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلِأَنَّهُ حِينَ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ إنْشَاءً أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ: أَيْ طَالِقٌ أَمْسِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ إذَا لَمْ تَنْكِحِي بَعْدُ أَوْ عَنْ طَلَاقِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا إنْ كَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِلْمُعَيَّنَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ ثِنْتَانِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّرْكِيبِ الْإِيقَاعُ وَالْإِنْشَاءُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِتَعَذُّرِهِ وَالصَّارِفُ عَنْهُ إلَى مُحْتَمِلِهِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِنْشَاءِ مُنْتَفٍ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْأُولَى، إمَّا بِعَوْدِ الْقَيْدِ بَعْدَ زَوَالِهِ لِثُبُوتِ الْعِدَّةِ كَقول طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، أَوْ لِبَقَائِهِ مُتَوَقِّفًا إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَقول الْمُحَقِّقِينَ، وَيَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ طَلْقَةٌ أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيَّةً لِقِيَامِ الْعِدَّةِ بِعَوْدِ الْقَيْدِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُبَانَةِ مَعَ قِيَامِ عِدَّتِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ ثَانِيًا أَوْ التَّأْكِيدِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّجْدِيدَ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنْكَرِ لَيْسَ غَالِبًا، وَلَا الدَّاعِي إلَى تَكْثِيرِ الطَّلَقَاتِ مِنْ اللَّجَاجِ وَالْبَغْضَاءِ بِحَيْثُ لَا يَقْنَعُ الزَّوْجُ بِوَاحِدَةٍ مَوْجُودًا فِيهِ لِأَنَّ تَحَقُّقَ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي الْمُنَكَّرَةِ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ وَقَعَ السَّاعَةَ لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا لِكَذِبِهِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِسْنَادِ فَكَانَ إنْشَاءً فِي الْحَالِ فَيَقَعَ السَّاعَةَ.
وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حَكَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقولةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنْجِزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقول أَيْضًا: إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ، وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ وَالْجَزَاءَ مُسَبَّبٌ عَنْهُ، وَلَا يُعْقَلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قولهُ قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وُقُوعُ ثَلَاثٍ: الْوَاحِدَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ.
وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَعْنَ فَيَنْزِلَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو.
وَلَوْ كَانَ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ.
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَقولهِ إذَا طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ) أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا وَأَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ لَمْ تُعْهَدْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ قولهُ فِي الْإِضَافَةِ (أَوْ يُصَحَّحُ إخْبَارًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ كَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ طَلَاقِ زَوْجٍ مُتَقَدِّمٍ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حَيْثُ سَكَتَ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى وَمَتَى مَا صَرِيحٌ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُمَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ، وَكَذَا كَلِمَةُ: مَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} أَيْ وَقْتَ الْحَيَاةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ مَتَى ظَرْفُ زَمَانٍ، وَكَذَا: مَا. تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً نَائِبَةً عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ، قَالَ: تَعَالَى قَاصِدًا لِكَلَامِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} أَيْ مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا، فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى إضَافَةَ طَلَاقِهَا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ طَلَاقِهَا، وَبِمُجَرَّدِ سُكُوتِهِ وُجِدَ الزَّمَانُ الْمُضَافُ إلَيْهِ فَيَقَعَ.
فَلَوْ قَالَ: مَوْصُولًا أَنْتِ طَالِقُ بَرَّ، حَتَّى لَوْ قَالَ: مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ وَصَلَ قولهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ: أَصْحَابُنَا بَرَّ وَوَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ: زُفَرُ: ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعَةً لَا جُمْلَةً لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْإِفْرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ.
وَلَوْ قَالَ: حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ، وَكَذَا زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك.
وَإِنْ قَالَ: زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّ لَمْ تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ مَاضِيًا مَعَ النَّفْيِ وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ، وَحَيْثُ لِلْمَكَانِ وَكَمْ مَكَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ غَالِبًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِحِينَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالَاتِهِ إذْ يُرَادُ بِهِ سَاعَةٌ نَحْوُ قوله تَعَالَى: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ نَحْوُ قولهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} وَأَرْبَعُونَ سَنَةً كَمَا فِي قولهِ عَزَّ ذِكْرُه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ} وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ الشَّرْطُ كَمَا فِي قولهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ، وَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ، لِأَنَّهُ مَتَى طَلَّقَهَا فِي عُمُرِهِ لَمْ يَصْدُقْ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بَلْ صَدَقَ نَقِيضُهُ وَهُوَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَالْيَأْسُ يَكُونُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَّاتِهِ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَلْ قَالُوا: تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَوَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ وَإِلَّا لَا تَرِثُهُ.
وَقولهُ وَهُوَ الشَّرْطُ: يَعْنِي الْعَدَمَ.
قولهُ: (كَمَا فِي إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ) إعْطَاءُ نَظِيرٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ بِإِنْ مَنْفِيٌّ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ أَوْ الْعَتَاقُ إذَا عُلِّقَ بِهِ إلَّا بِالْمَوْتِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ قَيْدًا حَسَنًا فِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِكَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَى.
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْبَيْتَ مَعِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الدُّخُولِ كَانَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَقَدْ فَاتَ.
قولهُ: (وَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَإِنَّمَا عَجَزَ بِمَوْتِهَا وَصَارَ كَقولهِ إنْ لَمْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَجْهَ السَّابِقَ يَنْتَظِمُ مَوْتَهَا وَمَوْتَهُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مَوْتَهَا يُمَكِّنُهُ الدُّخُولَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَقَعُ.
أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ مِنْهُ بِمَوْتِهَا، وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبَيَّنَ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك، أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَطْلُقُ حِينَ سَكَتَ) لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وَقَالَ قَائِلُهُمْ:
وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ** وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبٌ

فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَتَى وَمَتَى مَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي قولهِ مَتَى شِئْت.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا، قَالَ قَائِلُهُمْ:
وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ** وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الشَّرْطُ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَقْتُ تَطْلُقُ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَلْبَتَّةَ، أَمَّا إذَا نَوَى الْوَقْتَ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ نَوَى الشَّرْطَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْعُمُرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَطْلُقُ حِينَ سَكَتَ) لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ كَكَلِمَةِ مَتَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ ابْنُ أَحْمَرَ أَوْ حَرِيُّ بْنُ ضَمْرَةَ:
وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ** وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ

يَعْنِي أَخَاهُ الصَّغِيرَ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ لَعَنْتَرَةُ الْعَبْسِيُّ فَخَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالشَّأْنِ لِانْتِفَائِهِ مِنْ دِيوَانِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لِعَنْتَرَةَ أَخٌ اسْمُهُ جُنْدُبٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا لَهُ أَخٌ مِنْ أُمِّهِ اسْمُهُ شَيْبُوبٌ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ بِحَيْثُ تُوَاكِلُ إيَّاهُ شَدَّادًا حَيْسًا لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى قِصَّتِهِ.
وَقَبْلَ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ:
هَلْ فِي الْقَضِيَّةِ أَنْ إذَا اسْتَغْنَيْتُمْ ** وَأَمِنْتُمْ فَأَنَا الْبَعِيدُ الْأَجْنَبُ

وَإِذَا الشَّدَائِدُ بِالشَّدَائِدِ مَرَّةً أَشَجَّتْكُمْ ** فَأَنَا الْمُحَبُّ الْأَقْرَبُ

وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ** وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ

هَذَا وَجَدِّكُمْ الصَّغَارُ بِعَيْنِهِ ** لَا أُمَّ لِي إنْ كَانَ ذَاكَ وَلَا أَبُ

عَجَبٌ لِتِلْكَ قَضِيَّةٍ وَإِقَامَتِي ** فِيكُمْ عَلَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَعْجَبُ

وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْآيَةِ وَالْبَيْتِ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَجَوَابُ الْأَوَّلِ عَلِمْت وَجَوَابُ الثَّانِي أُدْعَى وَيُدْعَى، وَأَيْضًا تَنْظِيرُهُ لَهَا بِمَتَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَحَّضُ لِلْوَقْتِ أَبَدًا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ قولهُ لِلْوَقْتِ يَعْنِي الْمَحْضَ، وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ وَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ مَطْلُوبِهِمَا عَلَيْهِ، بَلْ الْمَنْقول لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا مَعْنَى الْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ فِي الْمُجَازَاةِ، فَأَوْرَدَ الشَّاهِدِينَ لَهُمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى قِيَامِ الْوَقْتِ مَعَ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ لَهُمَا حَاجَةٌ أَنْ يُبَيِّنَهَا أَنَّهَا لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الشَّرْطِ، بَلْ حَاجَتُهُمَا فِي إثْبَاتِ الِاجْتِمَاعِ لِيَكُونَ دَفْعًا ظَاهِرًا لِقول الْكُوفِيِّينَ.
قولهُ: (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ أَيْضًا) يَعْنِي الشَّرْطَ الْمُجَرَّدَ عَنْ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَإِلَّا لَا يُفِيدُ.
وَهَذَا مَذْهَبٌ نُقِلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ، وَاسْتَشْهَدَ بِقولهِ:
وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

حَيْثُ جُزِمَ بِهَا فَصَارَتْ مُحْتَمِلَةً لِكُلٍّ مِنْ الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الظَّرْفِ؛ وَالظَّرْفُ إمَّا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ عِنْدَهُ فِي الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ وَكَثُرَ حَتَّى صَارَ كَالظَّاهِرِ فَتَسَاوَيَا كَمَا قِيلَ، وَلِذَا صَدَّقَهُ الْقَاضِي فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ، وَبِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ دِجْلَةَ حَيْثُ صَرَفَاهَا إلَى الشُّرْبِ بِالْآنِيَةِ وَكَرَعَا لِأَنَّ الْمَجَازَ هُنَاكَ غَالِبٌ.
وَاحْتَاجَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْفَرْقِ لِأَنَّهُ جَزَمَ هُنَاكَ أَنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا هُنَا، وَفَرْقُهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْحِنْثُ بِالْكَرَعِ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَاعْتِبَارِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الشُّرْبِ اغْتِرَافًا فَكَانَ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ ثَابِتًا يَقِينًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَاعْتُبِرَتْ لِذَلِكَ: أَيْ لِلتَّيَقُّنِ بِحُكْمِهَا، بِخِلَافِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ مَعْنَى الظَّرْفِ هُنَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الْمَجَازِ، وَأَنْتَ سَمِعْت أَنَّ الْبَصْرِيِّينَ يَمْنَعُونَ سُقُوطَ مَعْنَى الظَّرْفِ عَنْهَا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ شَرْطًا كَمَتَى، فَثُبُوتُ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا كَوْنُهَا مَجَازًا فِي جُزْءِ مَعْنَاهَا فَلَمْ يُسْمَعْ يَقِينًا، وَبِتَقْدِيرِ إحْدَاثِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي آحَادِ الْمَجَازِ فَكَوْنُهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قولهِمَا إذَا أَرَادَ مَعْنَى الشَّرْطِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْقَاضِي بَلْ يَصِحُّ دِيَانَةً لِأَنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَهُمَا ظُهُورُهَا فِي الظَّرْفِ، فَمُرَادُهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَالْبَيْتُ الْمَذْكُور لَهُ قَائِلُهُ عَبْدُ قَيْسِ بْنِ خِفَافِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَنْظَلَةَ يُوصِي جُبَيْلًا ابْنَهُ بِقَصِيدَةٍ فِيهَا آدَابٌ وَمَصَالِحُ أَوَّلُهَا:
أَجُبَيْلُ إنَّ أَبَاك كَارِبُ يَوْمِهِ ** فَإِذَا دُعِيت إلَى الْمَكَارِمِ فَاعْجَلْ

أُوصِيكَ إيصَاءَ امْرِئٍ لَك نَاصِحٌ ** ظَنَّ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرَ مَعْقِلِ

اللَّهَ فَاتَّقِهِ وَأَوْفِ بِنَذْرِهِ ** وَإِذَا حَلَفْت مُمَارِيًا فَتَحَلَّلْ

وَالضَّيْفَ تُكْرِمْهُ فَإِنَّ مَبِيتَهُ ** حَقٌّ وَلَا تَكُ لَعْنَةً لِلنُّزُلِ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الضَّيْفَ مُخْبِرُ أَهْلِهِ ** بِمَبِيتِ لَيْلَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ

وَدَعِ الْقَوَارِصَ لِلصِّدِّيقِ وَغَيْرِهِ ** كَيْ لَا يَرَوْكَ مِنْ اللِّئَامِ الْعُزَّلِ

وَصِلْ الْمُوَاصِلَ مَا صَفَا لَك وُدُّهُ ** وَاحْذَرْ حِبَالَ الْخَائِنِ الْمُتَبَذِّلِ

وَاتْرُكْ مَحِلَّ السُّوءِ لَا تَحْلُلْ بِهِ ** وَإِذَا نَبَا بِك مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلْ

دَارُ الْهَوَانِ لِمَنْ رَآهَا دَارِهِ ** أَفَرَاحِلٌ عَنْهَا كَمَنْ لَمْ يَرْحَلْ

وَاسْتَأْنِ حِلْمَك فِي أُمُورِك كُلِّهَا ** وَإِذَا عَزَمْت عَلَى النَّدَى فَتَوَكَّلْ

وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ** وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

وَإِذَا هَمَمْت بِأَمْرِ شَرٍّ فَاتَّئِدْ ** وَإِذَا هَمَمْت بِأَمْرِ خَيْرٍ فَاعْجَلْ

وَإِذَا أَتَتْك مِنْ الْعَدُوِّ قَوَارِصُ ** فَاقْرُصْ لِذَاكَ وَلَا تَقُلْ لَمْ أَفْعَلِ

وَإِذَا افْتَقَرْت فَلَا تَكُنْ مُتَخَشِّعًا ** تَرْجُو الْفَوَاضِلَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُفْضَلِ

وَإِذَا تَشَاجَرَ فِي فُؤَادِك مَرَّةً ** أَمْرَانِ فَاعْمِدْ لِلْأَعَفِّ الْأَجْمَلِ

وَإِذَا لَقِيت الْقَوْمَ فَاضْرِبَ فِيهِمْ ** حَتَّى يَرَوْكَ طِلَاءَ أَجْرَبَ مُهْمَلِ

وَإِذَا رَأَيْت الْبَاهِشِينَ إلَى النَّدَى ** غُبْرًا أَكُفُّهُمْ بِقَاعٍ مُمْحِلِ

فَأَعْنِهِمْ وَأَيْسِرْ بِمَا يُسَرُّوا بِهِ ** وَإِذَا هُمُوا نَزَلُوا بِضَنْكٍ فَانْزِلْ.

وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّاعِرُ إذَا فِيهَا لِلشَّرْطِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا بِالْجَزْمِ وَدُخُولِ فَاءِ الْجَزَاءِ، وَمَعْقِلٌ مِنْ عَقَلْت النَّاقَةَ بِالْعَقْلِ، يُرِيدُ عَقْلِي بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، وَتَجَمَّلْ: أَيْ أَظْهِرْ جَمِيلًا وَلَا تُظْهِرْ جَزَعًا، وَقِيلَ كُلْ الْجَمِيلَ الْمَجْمُولَ وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُذَابُ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ فِي التَّأْدِيبِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ التَّطْلِيقِ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَيَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقٌ، وَهَذَا الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ الْأُولَى.
لِأَنَّهُ وَقَعَ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى فَحَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ فَيَقَعَ طَلَاقَانِ.
وَلَوْ قَلَبَ فَقَالَ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ يَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ التَّطْلِيقِ صَارَ حَانِثًا فِي الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، فَالشُّرُوطُ تُرَاعَى فِي الْمُسْتَقْبِلِ لَا الْمَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا.
وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ.
أَمَّا عَلَى قولهِمَا فَيَقَعَانِ بَعْدَ زَمَانٍ يَسِيرٍ فِي الْأُولَى لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا سَكَتَ لِأَنَّهُ حَنِثَ فِي قولهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْكُتْ حَتَّى مَاتَ لِأَنَّ زَمَانَ قولهِ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ زَمَانٌ يُوجَدُ فِيهِ تَطْلِيقٌ فَيَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ.
وَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، وَقَلْبُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْتُك، وَإِذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، فَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّالِثَةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا أُضِيفَ إلَى وَقْتَيْنِ أَحَدُهُمَا يَقْبَلُهُ وَالْآخِرُ لَا صَحَّ مَا يَقْبَلُهُ وَبَطَلَ مَا لَا يَقْبَلُهُ وَإِنَّ الْآخَرَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ، وَقَبْلَ وَإِذَا ظَرْفَانِ وَقَبْلَ لَا يَقْبَلُ الطَّلَاقَ، وَإِذَا تَقْبَلُهُ فَأُضِيفَ إلَيْهَا، وَلَهُمَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَمَا قَبْلَهَا تُرَجَّحُ جِهَةُ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ، فَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ التَّزَوُّجِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَلَا يَقَعُ، أَوْ لِأَنَّ الْآخَرَ وَهُوَ الْإِضَافَةُ إلَى قَبْلَ نَسَخَ الْأَوَّلَ (وَقولهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِيَّةِ تَحِلُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ الظَّرْفِيَّةِ تَطْلُقُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَحْرُمَ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الظَّرْفِ كَمَا قَالَا.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا مَتْرُوكٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ التَّرَدُّدِ فِي الْأَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ جَاءَ فِيهِ أَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِقَاضِ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَعَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِهِ تَحِلُّ وَمَعَ هَذَا لَا تَتَرَجَّحُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إنَّمَا ذَلِكَ فِي تَعَارُضِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ مَعَ دَلِيلِ الْحِلِّ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْحُرْمَةِ، أَمَّا هُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْحُرْمَةَ لَمْ نَعْمَلْ بِدَلِيلٍ بَلْ بِالشَّكِّ، وَهُنَاكَ يَقَعُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُشْكِلُ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.
وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ فِي الْمَشِيئَةِ أَنَّ عَلَى قولهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى قولهِ يَخْرُجُ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى وَلَمْ تُدْرَ نِيَّتُهُ لِعَارِضٍ عَرَاهُ، وَأَمَّا إذَا عُرِفَتْ بِأَنَّ اسْتَفْسَرَ فَقَالَ: أَرَدْت الزَّمَانَ فَيَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى قولهِمَا وَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَكَذَا عَلَى قولهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ.
وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ صُدِّقَ عَلَى قولهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى قولهِمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ: أَعْنِي قولهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت الزَّمَانَ صُدِّقَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت الشَّرْطَ لَا يُصَدَّقُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ.
وَعَلَى قولهِ يُصَدَّقُ فِي الشَّرْطِ وَفِي الظَّرْفِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ مُحْتَمَلَاتِهَا مَعَ أَنَّ فِي الثَّانِي تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ وُصُولًا بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَهُوَ قول زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ زَمَانُ قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ لِأَنَّ الْبِرَّ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْقِيقُ الْبِرِّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مُسْتَثْنًى، أَصْلُهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَاشْتَغَلَ بِالنَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَخَوَاتُهُ عَلَى مَا يَأْتِيك فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) الْمُنَجَّزَةِ فَقَطْ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ.
وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ (مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا بِهِ) فَلَوْ فَصَلَ وَقَعَ الْمُضَافُ وَالْمُنَجَّزُ جَمِيعًا (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ أَيْضًا فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الْمُضَافُ وَحْدَهُ (وَهُوَ قول زُفَرَ لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ، وَهُوَ زَمَانُ قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى بِدَلَالَةِ حَالِ الْحَالِفِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا إلَّا أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يُمَكِّنُهُ تَحْقِيقَ الْبِرِّ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ (أَصْلُهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَاشْتَغَلَ بِالنَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ) بَرَّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، فَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ هُنَا النَّظِيرُ لَا أَصْلُ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْكُلَّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ.

متن الهداية:
(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ وَإِذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ كَالصَّوْمِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمِعْيَارُ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِهِ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيَنْتَظِمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَاللَّيْلُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا السَّوَادَ وَالنَّهَارُ يَتَنَاوَلُ الْبَيَاضَ خَاصَّةً وَهَذَا هُوَ اللُّغَةُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ قَالَ: لِامْرَأَةِ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ لِقولهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا وَنَهَارًا.
وَالْأَفْعَالُ مِنْهَا مَا يَمْتَدُّ وَهُوَ مَا صَحَّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالسَّيْرِ وَالرُّكُوبِ وَالصَّوْمِ وَتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ كَقولهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَاخْتَارِي نَفْسَك يَوْمَ يَقْدَمُ فَيَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِبَيَاضِ النَّهَارِ، فَلَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا لَا خِيَارَ لَهَا أَوْ نَهَارًا دَخَلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا إلَى الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَدَّ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ ذِكْرِ الْيَوْمِ دُونَ حَرْفٍ فِي ضَرْبِ الْمُدَّةِ تَقْدِيرًا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي بَيَاضِ النَّهَارِ فَيَبْقَى مَعَهُ إلَى أَنْ يَتَعَيَّنَ خِلَافُهُ كَقولك أَحْسِنْ الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ تَمُوتُ وَارْكَبْ يَوْمَ يَأْتِي الْعَدُوُّ.
وَمِنْهَا مَا لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْعَتَاقِ وَالدُّخُولِ وَالْقُدُومِ وَالْخُرُوجِ فَيَجِبُ حَمْلُ الْيَوْمِ مَعَهُ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْمُدَّةِ لَهُ لَغْوٌ إذْ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) فَيَقَعُ لَيْلًا تَزَوَّجَهَا أَوْ نَهَارًا، كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَفِي الْأَصْلِ التَّزَوُّجُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قِيلَ كَأَنَّهُ غَلَطٌ، وَالصَّحِيحُ الطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
وَفِي النِّهَايَةِ: الصَّحِيحُ التَّزَوُّجُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، قَالَ: كَذَا وَجَدْتُهُ بِخَطِّ شَيْخِي، وَلِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الْكِتَابِ فِي وِزَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا الْجَزَاءُ، قَالَ: فِي الْأَيْمَانِ: لَوْ قَالَ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فِي أَتَزَوَّجُك لَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْقِرَانِ فِي قولهِ إذَا قَرَنَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ لَا الطَّلَاقِ لِأَنَّ مُقَارَنَتَهُ الْيَوْمَ أَقْوَى لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِضَافَةِ وَالْمُضَافُ مَعَ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ انْتَهَى.
وَالْأَصْوَبُ الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ: أَعْنِي اعْتِبَارَ الْجَزَاءِ كَالطَّلَاقِ هُنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الظَّرْفِ إفَادَةُ وُقُوعِهِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَظْرُوفًا أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِذِكْرِ ذَلِكَ الظَّرْفُ، بَلْ إنَّمَا ذُكِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لِيَتَعَيَّنَ الظَّرْفُ فَيَتِمَّ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْيِينِ زَمَنِ وُقُوعِ مَضْمُونِ الْجَوَابِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ مَا قُصِدَ الظَّرْفُ لَهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمُرَادِ مِنْ الظَّرْفِ أَهُوَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا لَمْ يُقْصَدْ لَهُ فِي اسْتِعْلَامِ حَالِهِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ تَسَامَحُوا فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْجَوَابُ: أَعْنِي مَا يَكُونُ بِهِ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مِمَّا يَمْتَدُّ نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَسِيرُ فُلَانٌ، أَوْ لَا يَمْتَدُّ كَأَنْتِ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ وَطَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَعَلَّلُوا بِامْتِدَادِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَعَدَمِهِ، وَالْمُحَقِّقُونَ ارْتَفَعُوا عَنْ ذَلِكَ الْإِيهَامِ.
وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ حَكَى خِلَافًا فِي الِاعْتِبَارِ وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ وَهْمًا، وَلِذَا نُقِلَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُعَلَّقِ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْجَوَابُ لَوْ اُعْتُبِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ بِالِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ كَأَنْتِ حُرٌّ يَوْمَ يَسِيرُ فُلَانٌ.
فُرُوعٌ:
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ تَطْلُقُ إذَا انْقَضَى شَهْرٌ، وَأَوْقَعَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلْحَالِ، أَوْ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ يَقَعُ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ لِشَهْرٍ مُقْتَصِرًا.
وَقَالَ زُفَرُ مُسْتَنِدًا أَوْ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ فَمَاتَ لِتَمَامِهِ وَقَعَ مُسْتَنِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَوْتِ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَوْ كَانَ وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَوْ كَانَ ثَلَاثًا وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ غَرِمَ الْعَقْرَ، وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ الْحَالِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِذَلِكَ الْوَطْءِ وَلَا يَلْزَمُهُ عَقْرٌ، وَقِيلَ تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ اتِّفَاقًا احْتِيَاطًا، كَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرِ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَالْبَائِنُ وَيَبْطُلُ الْخُلْعُ وَيَرُدُّ الزَّوْجُ بَدَلَ الْخُلْعِ لِظُهُورِ بُطْلَانِ الْخُلْعِ وَالْبَائِنُ لِسَبْقِ الثَّلَاثِ بِالِاسْتِنَادِ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَالْبَائِنُ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ وَيَصِيرُ مَعَ الْخُلْعِ ثَلَاثًا.
وَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَا تَطْلُقُ لِعَدَمِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ.
وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ ثُمَّ وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا فَلَمْ تَجِبْ عِدَّةٌ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْمَحِلِّ إذْ الْمُسْتَقْبَلُ يَثْبُتُ لِلْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْأَسْرَارِ.
هَذَا عَلَى طَرِيقِ كَوْنِ الْحُكْمِ هُنَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَدْ قِيلَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي أَوْ قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَتَرِثُ مِنْهُ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِهِ مُقْتَصِرًا كَمَا هُوَ قولهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُسْتَنِدًا حَتَّى إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا تَرِثُ مِنْهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثَلَاثُ حِيَضٍ.
أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ.
وَلَوْ قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَلَكَ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ عِنْدَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْمِلْكِ وَالتَّزَوُّجِ، وَعِنْدَهُمَا مُقْتَصِرًا حَتَّى يُعْتَبَرَ الْعِتْقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الشِّرَاءِ.
فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَمِنْ الثُّلُثِ وَفِي الزَّوْجَةِ الْأَخِيرَةِ تَطْلُقُ مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا حَتَّى لَا تَلْزَمَهَا الْعِدَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَلَا مِيرَاثَ لَهَا.
وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ.
وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقُدُومِ وَالْمَوْتِ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ وَالْجَزَاءُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُعَرَّفِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي الدَّارِ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَارِ طَلُقَتْ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي الِابْتِدَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ قَبْلَ الشَّهْرِ فَلَا يُوجَدُ الْوَقْتُ أَصْلًا فَأَشْبَهَ سَائِرَ الشُّرُوطِ فِي احْتِمَالِ الْخَطَرِ، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَالْمَوْتُ يُعْرَفُ، فَفَارَقَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشَّرْطَ وَأَشْبَهَ الْوَقْتَ فِي قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ فَقُلْنَا بِأَمْرٍ بَيْنَ الظُّهُورِ وَالِاقْتِصَارِ وَهُوَ الِاسْتِنَادُ، وَلَوْ قَالَ: قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ وَقَعَ أَوَّلَ شَعْبَانَ اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَمُوتَ إحْدَاهُمَا، فَإِذَا مَاتَتْ طَلُقَتْ الْأُخْرَى مُسْتَنِدًا عِنْدَهُ وَمُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا.

.فَصْلٌ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ:

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى) لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى مَلَكَتْ هِيَ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ كَمَا يَمْلِكُ هُوَ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْكِينِ، وَكَذَا الْحِلُّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَتِهِمَا فَيَصِحَّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا صَحَّ مُضَافًا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ.
وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَ الزَّوْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا هِيَ الْمَمْنُوعَةُ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَلَوْ كَانَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَالزَّوْجَ مَالِكٌ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ مَنْكُوحَةً بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّهَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا إلَيْهَا.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ) مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ:
فِيهِ مُتَفَرِّقَاتٌ مِنْ الْإِيقَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ جِهَةَ الْبَحْثِ فِي مَسَائِلِهِ بِعَارِضٍ وَاحِدٍ.
قولهُ: (وَمَنْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقَهَا وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ) وَبِقولنَا قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ: أَيْ الْمِلْكَ الَّذِي يُوجِبُهُ النِّكَاحُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى مَلَكَتْ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ كَمَا يَمْلِكُ هُوَ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْكِينِ، وَكَذَا الْحِلُّ مُشْتَرَكٌ حَتَّى حَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ بِصَاحِبِهِ وَالطَّلَاقُ لِإِزَالَتِهِ فَيَصِحُّ مُضَافًا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا.
وَقولهُ وُضِعَ لِإِزَالَتِهِمَا الضَّمِيرَ لِلْمِلْكَيْنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بِقولهِ مُشْتَرَكٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَهُ مِلْكٌ عَلَيْهَا وَلَهَا مِلْكٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، قَالُوا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ كَالْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا حَتَّى أَنَّهُ لَا يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا فَتَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ رَفْعِ ذَلِكَ الْقَيْدِ، لَكِنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَاحْتِيجَ إلَى نِيَّةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنْ يَنْدَفِعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالنُّكْتَةِ الْأَخِيرَةِ إذْ يُقَالُ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ فِي الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ.
قولهُ: (وَلَنَا) تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ أَوْ الْقَيْدِ، فَمَحِلُّ الطَّلَاقِ مَحِلُّهُمَا وَهِيَ مَحِلُّهُمَا دُونَهُ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ فَيَلْغُوَ بَيَانُ أَنَّهَا الْمَحِلُّ أَنَّهَا هِيَ الْمُقَيَّدَةُ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْخُرُوجِ وَعَنْ الرِّجَالِ دُونَهُ، وَمِلْكُهَا عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِ كَالْمَهْرِ وَهُوَ بَدَلُ مِلْكِهِ لِأُمُورٍ تَرْجِعُ إلَى نَفْسِهَا فَهِيَ الْمَمْلُوكَةُ دُونَهُ، وَلِهَذَا مَلَكَ هُوَ التَّزَوُّجَ بِالْكِتَابِيَّةِ وَلَمْ تَمْلِكْهُ هِيَ بِالْكِتَابِيِّ وَالنَّفَقَةُ بَدَلُ احْتِبَاسِهِ إيَّاهَا.
وَالْحِلُّ الَّذِي يَثْبُتُ لَهَا تَبَعٌ لِلْحِلِّ الَّذِي يَثْبُتُ لَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْوَطْءَ وَجَبَ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ حِلُّ اسْتِمْتَاعِهَا بِهِ، وَلَيْسَ الْحِلُّ هُوَ الْقَيْدُ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ الطَّلَاقِ، بَلْ الْحِلُّ أَثَرُهُ حَسَبَ مَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ إلَخْ، وَالثَّابِتُ أَثَرُ النِّكَاحِ وَيَرْجِعُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ تَبَعًا هَلْ يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّهَا أَيْ لَفْظَهَا مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَوَصْلَةُ النِّكَاحِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَامِلَةً بِحَقِيقَتِهَا، وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَصَحَّ كَذَلِكَ عَامِلًا بِحَقِيقَتِهِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْكِنَايَاتِ.
وَأَمَّا حَجْرُهُ عَنْ أُخْتِهَا وَخَامِسَةٍ فَلَيْسَ مُوجِبَ نِكَاحِهَا بَلْ حَجْرٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَخَمْسٍ لَا حُكْمًا لِلنِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْتِهَا مَعًا أَوْ ضَمَّ خَمْسًا مَعًا لَا يَجُوزُ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ).
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا.
وَعَلَى قول مُحَمَّدٍ وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، ذَكَرَ قول مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا قول الْكُلِّ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ: أَوْ. بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَيَبْقَى قولهُ أَنْتِ طَالِقٌ، بِخِلَافِ قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَلَغَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَنْعُوتُ الْمَحْذُوفُ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ مَا كَانَ الْعَدَدُ نَعْتًا لَهُ كَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) وَكَذَا طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ وَطَالِقٌ أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا.
وَعَلَى قول مُحَمَّدٍ وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، كَذَا ذَكَرَ قول مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ لَا شَيْءَ إنَّمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا طَالِقٌ وَوَاحِدَةٌ أَوْ لَا وَاحِدَةَ أَوْ لَا شَيْءَ، وَخَصَّ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قول أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّ صَاحِبَ الْأَجْنَاسِ نَقَلَ ذِكْرَهُ مَعَهُ فِي الْجُرْجَانِيَّاتِ، وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ هُنَا قول الْكُلِّ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ.
وَالْأَوْجُهُ كَوْنُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِخِلَافِ قول مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ أَوْ لَا شَيْءَ فَدَلَّ عَلَى وِفَاقِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَوَّلًا، وَإِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَانَ وِفَاقُهُ هُنَا رِوَايَةً فِي وِفَاقِهِ فِي أَوْ لَا شَيْءَ وَخِلَافُهُ هُنَاكَ رِوَايَةً فِي مَسْأَلَةِ أَوَّلًا.
قولهُ: (لَهُ) أَيْ لِمُحَمَّدٍ فِي إيقَاعِهِ بِهِ وَاحِدَةً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ الشَّكِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَيَبْقَى قولهُ أَنْتِ طَالِقٌ) يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً (بِخِلَافِ قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا) أَوْ طَالِقٌ أَوْ غَيْرَ طَالِقٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ) وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِآثَارٍ إجْمَاعِيَّةٍ: مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَلَغَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَانَتْ بِطَالِقٍ لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَمْ تَبْقَ مَحِلًّا لِوُقُوعِ الزَّائِدِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ كَانَ قولهُ وَاحِدَةً فَاصِلًا بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَمْ يُعْمَلْ.
وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَدَدِ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ (وَقولهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمَنْعُوتُ بِالْعَدَدِ وَهُوَ الْمَحْذُوفُ) أَيْ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا كَمَا قَرَّرَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
أَمَّا عَلَى الْإِنْشَاءِ فَلَا، وَقَدْ رَجَعَ الْمُصَنِّفُ إلَى طَرِيقَةِ الْإِنْشَاءِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَالْوَجْهُ هُنَا يَتِمُّ بِدُونِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْإِجْمَاعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ الْعَدَدُ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا الْوَصْفُ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ) وَهُوَ مَوْتُهُ وَمَوْتُهَا، لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمَوْقِعِ وَالْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُوقَعِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ حَالَةُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةً لِلنِّكَاحِ لِأَنَّهَا حَالَةُ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي حَالَ اسْتِقْرَارِهِ، أَوْ الْمَعْنَى عَلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ مَعَ لِلْقِرَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك الدَّارَ تَطْلُقُ بِهِ فَاسْتَدْعَى وُقُوعَهُ تَقَدَّمُ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَيَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ.

متن الهداية:
(وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ.
أَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ، وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ قِيَامِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَنْتَفِيَ النِّكَاحُ (وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ، وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُنَافَاةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ.
بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا لَهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا) أَيْ سَهْمًا بِأَنْ كَانَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا جَمِيعَهَا مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ عَبْدَ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ جَمِيعَهُ مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهَا أَوْ وَرِثَتْهُ (وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا فَسْخًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ، أَمَّا فِي مِلْكِهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فِيهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَحْرِيرِهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَأَمَّا فِي مِلْكِهِ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّ إثْبَاتَهُ عَلَى الْحُرَّةِ لِحَاجَةِ بَقَاءِ النَّسْلِ فَكَانَ مِلْكُ النِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكَةِ لِلضَّرُورَةِ.
وَقَدْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِقِيَامِ مِلْكِ الْيَمِينِ لِثُبُوتِ الْحِلِّ الْأَقْوَى بِهِ فَيَرْتَفِعُ الْأَضْعَفُ الضَّرُورِيُّ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مِلْكِ الْأَمَةِ كُلِّهَا، وَأَمَّا فِي مِلْكِ بَعْضِهَا فَأُقِيمَ مِلْكُ الْيَمِينِ مَقَامَ الْحِلِّ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةُ مِلْكٍ لِقِيَامِ الرِّقِّ بَلْ الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ.
قولهُ: (وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي، لَا مِنْ وَجْهٍ) كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ (وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ.
(وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُنَافَاةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقَعُ) وَإِنَّمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالْمَنْقول عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تُعْتِقْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَفْصِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا عِدَّةَ هُنَاكَ عَلَيْهَا: يَعْنِي مِنْهُ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا كَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ وَقَدْ قِيلَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي.
قَالَ: لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ عَنْ الْمَاءِ، وَيَسْتَحِيلُ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ.
وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَعَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ يَنْبَغِي عَدَمُ التَّفْصِيلِ لِمُحَمَّدٍ، إذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْعِدَّةَ هُنَاكَ أَيْضًا قَائِمَةٌ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ.
وَجْهُ قول أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفُرْقَةَ مَتَى وَقَعَتْ بِسَبَبِ التَّنَافِي تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الْمَحَلِّيَّةِ فَحَاجَتُنَا إلَى إثْبَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعِتْقِ وَمُجَرَّدُ الْعِدَّةِ لَا يُثْبِتُ الْمَحَلِّيَّةَ ابْتِدَاءً كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ حَكَى فِي الْمَبْسُوطِ الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَلَمْ يَخُصَّهُ بِمَا إذَا مَلَكَتْهُ بَلْ إجْرَاءً فِي الْفَصْلَيْنِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُهَاجَرَةِ وَهِيَ مَا إذَا هَاجَرَتْ فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا فَهَاجَرَ بَعْدَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى قولهِمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، فَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَقِيلَ هَذَا قول أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ طَلَاقُهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي قول أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ، وَفِي قول أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا: يَعْنِي فَأَعْتَقَتْهُ فَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي الصُّورَتَيْنِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا مَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا وَالشَّرْطُ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَلِلْحُكْمِ تَعَلُّقٌ بِهِ وَالْمَذْكُورُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِهِ التَّطْلِيقُ لِأَنَّ فِي التَّعْلِيقَاتِ يَصِيرُ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ عِنْدَنَا، وَإِذَا كَانَ التَّطْلِيقُ مُعَلَّقًا بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ يُوجَدُ بَعْدَهُ ثُمَّ الطَّلَاقُ يُوجَدُ بَعْدَ التَّطْلِيقِ فَيَكُونَ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعِتْقِ فَيُصَادِفَهَا وَهِيَ حُرَّةً فَلَا تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِالثِّنْتَيْنِ.
بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ.
قُلْنَا: قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ كَمَا فِي قوله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فَتُحْمَلَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قَالَ) أَيْ الزَّوْجُ لَهَا (وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا مَلَكَ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ) إذْ هُوَ السَّبَبُ (حَقِيقَةً بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لِأَنَّ اللَّفْظَ) أَعْنِي الْعِتْقَ (يَنْتَظِمُهُمَا) أَيْ يَنْتَظِمُ الْإِعْتَاقَ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ وَالْعِتْقَ الَّذِي هُوَ وَصْفُهَا أَثَرٌ لَهُ، وَمَعْنَى الِانْتِظَامِ هَاهُنَا صِحَّةُ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الشُّمُولِ لِمَنْعِ انْتِظَامِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ، وَالْإِعْتَاقُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِلْعِتْقِ مِنْ اسْتِعَارَةِ اسْمِ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِعْمَالُهُ فِي لَفْظِ إيَّاكَ عَلَى اعْتِبَارِ إرَادَةِ الْفِعْلِ بِهِ إعْمَالُ الْمُسْتَعَارِ لِلْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ إعْمَالِ اسْمِ الْمَصْدَرِ كَأَعْجَبَنِي كَلَامُك زَيْدًا، وَأَمَّا عَلَى التَّجْوِيزِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ الْعِتْقُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ الْمُتَعَدِّي وَجُعِلَ الْعَامِلُ الْعِتْقَ اسْمًا لِلْمَصْدَرِ يَرُدُّهُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْإِعْتَاقِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ فَقَطْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، بَلْ عَنْ الْعِتْقِ، هَذَا مَعْنَى الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ، وَالْعَجَبُ مِمَّا نَقَلَ فِي جَوَابِهِ مِنْ قول مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِمُشْكِلٍ لِأَنَّهُ لَمَّا عُلِّقَ التَّطْلِيقُ بِالْإِعْتَاقِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُهُ بِالْعِتْقِ الْحَاصِلِ مِنْهُ وَأَيْنَ هَذَا مِنْ صِحَّةِ الْإِعْمَالِ.
وَأَيْضًا كَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقول الْمُصَنِّفُ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْعِتْقُ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ.
وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَعَ قَدْ تُذْكَرُ لِلْمُتَأَخِّرِ تَنْزِيلًا لَا مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ بَعْدَهُ وَنَفْيِ الرَّيْبِ عَنْهُ كَمَا فِي الْآية: {إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فَصَارَتْ إنَّ مُحْتَمِلَةً لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهَا خِلَافَهُ فَيُصَارَ إلَيْهِ بِمُوجِبٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَهُوَ إنَاطَةُ ثُبُوتِ حُكْمٍ عَلَى ثُبُوتِ مَعْنَى مَدْخُولِهَا الْمَعْدُومِ حَالَ التَّكَلُّمِ وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنَّ الْإِنَاطَةَ كَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَمَعْنَى مَدْخُولِهَا الْمَعْدُومِ كَائِنًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُنَاطٌ بِوُجُودِ حُكْمٍ هُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ شَرْطًا لِلتَّطْلِيقِ، فَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ فَيُوجَدَ تَطْلِيقُ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَهُ مُقَارِنًا لِلْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْإِعْتَاقِ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّطْلِيقِ بَعْدَهُ فَيُصَادِفَهَا حُرَّةً فَيَمْلِكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ فَأَظْهَرُ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ.
وَقِيلَ عَلَيْهِ الْمَعْلُولُ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ كَالْكَسْرِ مَعَ الِانْكِسَارِ فِي الْخَارِجِ، فَالْعِتْقُ مَعَ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقُ مَعَ التَّطْلِيقِ يَقْتَرِنَانِ، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ قَرَنَ الطَّلَاقَ بِالْإِعْتَاقِ فَيَكُونُ مَقْرُونًا بِالْعِتْقِ وَهُوَ ضِدُّ الرِّقِّ، وَوُجُودُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ مُسْتَلْزِمٌ زَوَالَ الضِّدِّ الْآخَرِ، وَلَا يَنْبَنِي زَوَالُهُ عَلَى وُجُودِ الْآخَرِ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: وُجِدَ السُّكُونُ فَزَالَتْ الْحَرَكَةُ أَوْ وُجِدَ الْحَرَكَةُ فَزَالَ السُّكُونُ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ، بَلْ وُجُودُ أَحَدِهِمَا يَقْتَرِنُ بِزَوَالِ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ زَوَالُ الرِّقِّ مَعَ الْعِتْقِ فَيَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا حَالَ وُجُودِ الْعِتْقِ وَهِيَ حَالَةُ زَوَالِ الرِّقِّ، فَلَا تُوجِبُ التَّطْلِيقَتَانِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فِي الْحُرَّةِ فَيَمْلِكَ الرَّجْعَةَ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَحَدِ الْقوليْنِ فِي أَنَّ الْمَعْلُولَ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ فِي الْخَارِجِ أَوْ يَتَعَقَّبُهُمَا بِلَا فَصْلٍ وَعَلَى أَنَّ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ كَحَالَةِ الْوُجُودِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ وَعَدَمِ خُرُوجِ مَعَ عَنْ الْمُقَارَنَةِ، وَأَطْبَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ زَمَنَ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى خُرُوجِهَا وَتَقَرُّرَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ يَعْقُبُهُ إذَا لَيْسَ هُوَ عِلَّةً، فَلَيْسَ الْعِتْقُ عِلَّةً لِلطَّلَاقِ بَلْ عِلَّةُ الطَّلَاقِ تَعْمَلُ عِنْدَهُ، وَسَنَذْكُرُ مَا عِنْدَنَا فِي الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ.
وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك حَيْثُ يَأْتِي فِيهِ التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إذَا تَزَوَّجَهَا.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لِلْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ مِلْكِهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْيَمِينَ، فَإِذَا لَزِمَ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ: أَعْنِي إنْ وَنَحْوَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةً صِحَّةُ الْيَمِينِ، وَمَرْجِعُ هَذَا إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ الصَّرِيحَ قَبْلَ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقول: الدَّلِيلُ إنَّمَا قَامَ عَلَى مِلْكِهِ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ إلَى الْمِلْكِ فَتَعَلَّقَ بِمَا يُوجِبُ مَعْنَاهَا كَيْفَمَا كَانَ اللَّفْظُ، وَالتَّقْيِيدُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى تَحَكَّمَ وَلِذَا قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: هَذَا الْجَوَابُ لَمْ يَتَّضِحْ لِي فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ عَلَى اعْتِبَارِ مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَقَالَ الْمَوْلَى: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَ الْغَدُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) عَلَيْهَا، لِأَنَّ الزَّوْجَ قَرَنَ الْإِيقَاعَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ الْمُعَلَّقُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْعِتْقُ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ أَصْلُهُ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ فَيَكُونَ التَّطْلِيقُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ ضَرُورَةً فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِهَذَا تُقَدَّرُ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَا عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالطَّلْقَتَانِ تُحَرِّمَانِ الْأَمَةَ حُرْمَةً غَلِيظَةً، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى فَيَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَا وَجْهَ إلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَوْ كَانَ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَالطَّلَاقُ يُقَارِنُ التَّطْلِيقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَيَقْتَرِنَانِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ أَيْ لِامْرَأَتِهِ الْأَمَةِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، وَقَالَ لَهَا الْمَوْلَى: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَ الْغَدُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ بَلْ عَلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ.
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ قَرَنَ الْإِيقَاعَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى عِتْقَهَا، وَالْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ (وَالْعِتْقُ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ أَصْلُهُ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ) الَّذِي يُقَامُ بِهَا فَيَقْتَرِنَانِ فِي الْخَارِجِ (فَيَكُونَ التَّطْلِيقُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الْمُقَارِنِ لِلْإِعْتَاقِ فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِهَذَا تُقَدَّرُ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَا عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا أَمَةً، فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالطَّلْقَتَانِ تُحَرِّمَانِ الْأَمَةَ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ) ثُمَّ رَدَّ الْمُصَنِّفُ قول مُحَمَّدٍ بِقولهِ (وَلَا وَجْهَ إلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَوْ كَانَ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَالطَّلَاقُ يُقَارِنُ التَّطْلِيقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَيَقْتَرِنَانِ) أَيْ فَيَقْتَرِنُ الطَّلَاقُ بِالْعِتْقِ فَيُصَادِفُهَا عَلَى مَا صَادَفَهَا عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَهِيَ أَمَةٌ فَتَحْرُمَ، وَحَقِيقَةُ مَحِلِّ الْغَلَطِ فِي تَقْرِيرِ قول مُحَمَّدٍ مِنْ جَعْلِ الْعِتْقِ شَرْطًا عَلَى مَا يُعْطِيهِ قولهُ وَالْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ: يَعْنِي فَلَا يَنْعَقِدُ التَّطْلِيقُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْعِتْقِ الْمُقَارِنِ لِلْإِعْتَاقِ.
لَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الشَّرْطُ مَجِيءُ الْيَوْمِ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ فِي الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَعَ الْمَعْلُولِ يَلْزَمُ أَنَّ عِنْدَ مَجِيءِ الْغَدِ يَقْتَرِنُ كُلٌّ مِنْ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ فَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ حَسْبَمَا يَنْزِلُ الْعِتْقُ وَهِيَ أَمَةٌ فَتَحْرُمَ حُرْمَةً غَلِيظَةً.
وَإِذْ قَدْ بَعُدَ هَذَا التَّوْجِيهُ لِمُحَمَّدِ وَجْهٌ بِتَوْجِيهَاتٍ أُخُرَ: أَحَدُهَا أَنَّهُ اعْتَبَرَ قول الْقِرَانِ فِي الْعِتْقِ وَالتَّعَاقُبِ فِي الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِكَوْنِ الْإِعْتَاقِ مَنْدُوبًا فَلْتُعْتَبَرُ سُرْعَةُ نُزُولِهِ وَالتَّطْلِيقُ مَحْظُورٌ فَيُعْتَبَرُ مُتَأَخِّرًا نَظِيرُهُ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ يَنْزِلُ الْمِلْكُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالْفَاسِدُ يَتَأَخَّرُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ لِلْحَظْرِ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الْغَدِ التَّطْلِيقُ وَالْإِعْتَاقُ وَالْعِتْقُ مُقْتَرِنَةً، وَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ وَهَذِهِ فِي الْبَيِّنِ.
اعْلَمْ أَنَّ الْعُقَلَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْلُولَ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا مَعًا فِي الْخَارِجِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ خَصُّوا الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَجَعَلُوهَا تَسْتَعْقِبُ الْمَعْلُولَ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ كَالْأَعْيَانِ بَاقِيَةً فَأَمْكَنَ فِيهَا اعْتِبَارُ الْأَصْلِ وَهُوَ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ تَقْدِيمِهَا وَإِلَّا بَقِيَ الْفِعْلُ بِلَا قُدْرَةٍ، وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ التَّعْقِيبُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ حَتَّى إنَّ الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ.
غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِيهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ وَحَالَةَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكْمُلَ هُوِيَّتُهُ لِيَقُومَ بِهِ عَارِضُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا عِنْدَهُ فَيَسْبِقَ وُقُوعُ الْأَوْجَزِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ثِنْتَيْنِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا.
وَثَالِثُهَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا حُرَّةً لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.
قُلْنَا: التَّعَلُّقُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنْ يُصَادِفَهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي صَادَفَهَا عَلَيْهَا الْعِتْقُ وَهِيَ الرِّقُّ فَتَغْلُظَ الْحُرْمَةُ بِلَا شَكٍّ فَبَطَلَ الْأَخِيرُ، وَإِطْبَاقُ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ زَمَنَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَانْتَفَى مَا قَبْلَهُ، وَالْوُقُوعُ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ قَدْرِ التَّكَلُّمِ مِنْ الزَّمَانِ بَلْ بِمُجَرَّدِ نُزُولِهِ يَنْزِلُ فِي أَوَّلِ آنٍ يَعْقُبُهُ لِأَنَّهُ نُزُولُ حُكْمٍ فَبَطَلَ مَا قَبْلَهُمَا وَرُفِعَ الْأَثَرُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمَّا أَمْكَنَ وَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا أُخِّرَ إلَى غَايَةٍ يُنَاسِبُ التَّأْخِيرَ إلَيْهَا أَعْنِي الْقَبْضَ الَّذِي لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمَهْرِ.
أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَوْ أَمْكَنَ رَفْعُهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ غَايَةٌ يُنَاسِبُ اعْتِبَارُ تَأْخِيرِ ثُبُوتِهِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ فَكَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنِ الرَّفْعِ وَلَا الدَّفْعِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهِ بَلْ هُوَ مَحِلٌّ بِالِاحْتِيَاطِ فَبَطَلَ الْأَوَّلُ.